Loading
أول دراسة شاملة تؤكد وجود ارتباط جيني بين الإصابة بألزهايمر واضطرابات الأمعاء
أول دراسة شاملة تؤكد وجود ارتباط جيني بين الإصابة بألزهايمر واضطرابات الأمعاء المختلفة.. ما قد يساعد في الاكتشاف المبكر للمرض وإنتاج علاجات جديدة واستكشاف آفاق بحثية مستقبلية واعدة.
يدمر مرض ألزهايمر الذاكرة والقدرة على التفكير، ويُعد أحد أكثر أشكال الخرف انتشارًا، ومن المتوقع أن يؤثر على أكثر من 82 مليون شخص حول العالم، وأن يصبح العبء الاقتصادي للمرض حوالي تريليوني دولار أمريكي بحلول عام 2030، ولم يتمكن العلماء من فهم أسباب ألزهايمر المرضية بشكل واضح، كما لا توجد علاجات معروفة له حتى الآن، إلا أن التقييم الشامل للجينات المشتركة مع الأمراض الأخرى المصاحبة يمكن أن يوفر فهمًا أعمق لآليات ألزهايمر البيولوجية الكامنة وراء الإصابة به ويعزِّز جهود تطوير العلاجات في المستقبل.
في تعليقه على عدم وضوح أسباب الإصابة بألزهايمر بشكل كامل حتى اليوم، يقول سامح مجد الدين، مدير برنامج البروتيومكس والميتابولومكس بمستشفى سرطان الأطفال 57357 في مصر: “يكمن تعقيد ألزهايمر في تداخل مسبباته؛ إذ يؤدي العامل الجيني دورًا مهمًّا مصحوبًا بأسباب أخرى، كارتفاع ضغط الدم أو الإصابة بالاكتئاب أو تغيُّرات في الألياف العصبية، وقد يكون بسبب تغيُّرات في الجهاز الهضمي”.
العلاقة بين إصابات ألزهايمر واضطرابات الجهاز الهضمي كانت موضوع دراسة حديثة لفريق بحثي من مركز الصحة الدقيقة التابع لجامعة إيديث كوان (ECU) في أستراليا، أظهرت نتائجها أن الأشخاص المصابين بألزهايمر واضطرابات الأمعاء لديهم جينات مشتركة، ورغم أن الدراسة لم تخلص إلى أن اضطرابات الأمعاء سببٌ مباشر في الإصابة بمرض ألزهايمر أو العكس، إلا أن النتائج تُعد ذات قيمة كبيرة، وتقدم أدلةً إضافيةً لدعم مفهوم محور “المخ والقناة الهضمية”، وهو رابط ثنائي الاتجاه بين المراكز المعرفية والعاطفية للدماغ من جهة، وعمل الأمعاء وتأثيرها على الدماغ من جهةٍ أخرى.
علاقة طالما ظهرت دون تأكيد
وكانت دراسات سابقة قد أظهرت وجود علاقة بين مرض ألزهايمر واضطرابات الجهاز الهضمي، لكنها لم تقدم ما يؤكد هذه العلاقة، إلى أن استطاع فريق جامعة إيديث كوان ECU تأكيد هذا الارتباط عبر دراسة حديثة نشرتها دورية “كوميونيكيشنز بيولوجي” (Communications Biology) وتميزت بتحليلها لمجموعات كبيرة من البيانات الجينية من مرضى ألزهايمر وعدد من دراسات اضطرابات الأمعاء بإجمالي 400 ألف حالة تقريبًا.
يقول محمد الجندي، الباحث في قسم الكيمياء الحيوية الطبية وبيولوجيا الخلية بمعهد الطب الحيوي، بجامعة جوتنبرج السويدية: “تميزت هذه الدراسة بعينة تحليل ضخمة، ما يساعد على إجراء استنباط إحصائي قوي، كما استخدم الباحثون طرقًا إحصائيةً مختلفةً من أجل تأكيد العلاقة بين أمراض الأمعاء المختلفة ومرض ألزهايمر”.
أجرى الباحثون أنواعًا مختلفةً من التحاليل لهذه الجينات المشتركة، فوجدوا روابطَ مهمةً أخرى بين ألزهايمر واضطرابات الأمعاء، مثل الدور الذي قد تؤديه شبكة المناعة المعوية، وجسيمات البروتين الدهني في البلازما، والكوليسترول؛ إذ ظهر أن المستويات غير الطبيعية من الكوليسترول تمثل أحد عوامل الخطر التي قد تقود إلى الإصابة بكلٍّ من ألزهايمر واضطرابات الأمعاء، والبروتين الدهني هو بروتين كروي يرتبط بالكوليسترول والدهون الثلاثية التي تحتاج إلى ناقل عبر الدم لتتحرك من خلاله من الخلايا والأنسجة المختلفة وإليها.
مستويات تحليلية مختلفة لإثبات العلاقة
استخدم الباحثون في هذه الدراسة ثلاثة مستويات واسعة من التحليل، الأول كان على مستوى تعدُّد أشكال النيوكليوتيدات المفردة (النيوكليوتيدة هي وحدة بناء المادة الوراثية البشرية DNA)، وشمل ذلك التحليل ثلاث خطوات متتالية.
قام الفريق أولًا بتقييم ما إذا كان لمرض ألزهايمر علاقة وراثية باضطرابات الأمعاء، يقول إيمانويل أديوي -زميل أبحاث ما بعد الدكتوراة بمركز الصحة الدقيقة، في جامعة إديث كوان، والباحث الرئيسي في الدراسة- في تصريحات لـ”للعلم”: “مكنَنا هذا التحليل من تقديم إجابةٍ على الجدل الطويل حول ما إذا كان لمرض ألزهايمر أي علاقة باضطرابات الأمعاء؛ إذ تؤكد النتائج التي توصلنا إليها أن هناك علاقةً وطيدةً بين ألزهايمر واضطرابات الأمعاء”.
حاول الباحثون تحديد اتجاه ارتباط ألزهايمر باضطرابات الأمعاء باستخدام مستوىً آخر من الأدلة، وجاءت النتائج متسقةً مع الطريقة السابقة نظرًا لوجود علاقة كبيرة بينهما، ودفعتهم تلك النتائج إلى تقييم ما إذا كانت اضطرابات ألزهايمر والأمعاء تشترك في بعض المكونات الجينية، ولتحديد ذلك استخدموا تحليل الارتباط الواسع للجينوم بطريقتين مختلفتين، حددت كلتا الطريقتين العديد من المناطق في الجينوم التي من المحتمل أن تُسهم في خطر الإصابة بألزهايمر واضطرابات الأمعاء.
اهتم الباحثون بمعرفة طبيعة تلك العلاقة، وما إذا كان أحدهما يسبب الآخر، لذلك عملوا على تقييم الإجابة عن هذا السؤال باستخدام التوزيع العشوائي المندلي، وأشارت النتائج إلى عدم وجود دليل على علاقة السبب والنتيجة بين مرض ألزهايمر واضطرابات الأمعاء.
يقول أديوي: “وبالرغم من أن العلاقة السببية المباشرة لم تكن واضحة، كان هناك بعض الأدلة باستخدام طريقة أخرى تُعرف باسم متغير السببية الكامنة، تشير إلى وجود علاقة سببية جزئية بين ألزهايمر والتهاب المعدة، لكننا لم نتمكن من تكرار ذلك، فالبيانات التي توافرت لهذا التحليل كانت قليلة، وعليه فالنتائج لم تكن جازمةً فيما يتعلق بهذه النقطة”.
كان المستوى الثاني من التقييم هو تحليل الارتباط القائم على الجينات، لتحديد الجينات الشائعة بين ألزهايمر واضطرابات الأمعاء، ووجد الباحثون العديد من هذه العوامل التي تضيف إلى الأدلة على أن الجينات المشتركة تُسهم في كلٍّ من مرض ألزهايمر واضطرابات الأمعاء.
وفي المستوى الأخير من التقييم، قرر الباحثون معرفة الآليات البيولوجية التي تُسهم في خطر الإصابة بمرض ألزهايمر واضطرابات الأمعاء، والتي تربط حدوثهما معًا باستخدام تحليلٍ قائمٍ على المسار الجزيئي، وأشارت النتائج إلى أدوار محتملة للجهاز المناعي والآليات المتعلقة بعملية التمثيل الغذائي للدهون، بما في ذلك الأدوية الخافضة للدهون مثل مثبطات الليبيز والستاتينات، وهي مجموعة أدوية مشهورة بالفعل في مرض ألزهايمر واضطرابات الأمعاء.
ويعلق الجندي: “اعتمد الباحثون على استخدام طرق إحصائية لاستنتاج العلاقة السببية بين ألزهايمر وأمراض المعدة، والتي قد تتغير نتائجها بتغيُّر الطريقة المستخدمة، لذا فالفيصل هنا سيكون للتجربة المعملية؛ لاختبار مجموعة الجينات الناتجة عن تلك الدراسة”.
نتائج جديدة
وكانت الأدلة السابقة حول هذا الموضوع قد اعتمدت إلى حدٍّ كبير على دراسات المراقبة التقليدية المحدودة بالعديد من العوامل، بما في ذلك أحجام العينات الصغيرة، والآثار المربكة لنمط الحياة والبيئة، ولا يمكن لمثل هذه الأدلة تقييم العلاقات السببية، بالإضافة إلى كونها محدودةً في توفير الآليات الكامنة وراء الاضطرابات، يقول أديوي: “استخدمنا هذه المرة نهج الدراسة الجينية الذي يعتمد على المتغيرات الموروثة قبل التعرض البيئي أو نمط الحياة، مما جعل دراستنا أقل تعرضًا للقيود العديدة لدراسات المراقبة التقليدية”.
لاحظ الباحثون أدلةً على أن ارتفاع الكوليسترول يمكن أن ينتقل إلى الجهاز العصبي المركزي، مما يؤدي إلى استقلاب غير طبيعي للكوليسترول في المخ، وهناك أيضًا أدلة تشير إلى أن نسبة الدهون غير الطبيعية في الدم قد تكون سببًا أو تتفاقم معدلاتها بسبب بكتيريا الأمعاء المعروفة باسم جرثومة المعدة، كل ذلك يدعم الأدوار المحتملة للدهون غير الطبيعية في مرض ألزهايمر واضطرابات الأمعاء، يقول مجد الدين: “ظهر دور الدهون بشكل عام في الإصابة بألزهايمر في دراسات سابقة، ولكن هذه الدراسة أشارت إلى أن زيادة الكوليسترول تسمح بتجاوز حاجز الدم في الدماغ، مما قد يؤثر على الجهاز العصبي للإنسان، وربما يؤدي بدوره إلى الإصابة بأمراض التحلل العصبي مثل ألزهايمر”.
يضيف الجندي: “تشير النتائج إلى وجود رابط بين الإصابة بألزهايمر والمناعة، ولكنها ليست بقوة علاقة ألزهايمر بأمراض المعدة، ويمكنني القول وفقًا للنتائج إن الاضطرابات المناعية والمعروفة بتأثيرها على المعدة قد تربطها علاقةٌ غير مباشرة بالإصابة بألزهايمر، كما تؤثر اضطرابات أيض الكوليسترول وارتفاع مستوياته في الدم على المناعة أيضًا عبر حدوث التهابات مزمنة”.
أحجية مرض ألزهايمر
سُمي مرض ألزهايمر على اسم مكتشفه الطبيب ألويس ألزهايمر، الذي لاحظ تغيرات في أنسجة المخ لامرأة ماتت بسبب مرض عقلي غير عادي، تضمنت أعراضه فقدان الذاكرة، ومشكلات في اللغة، وسلوكًا غير متوقع، وبعد وفاتها، فحص ألويس دماغها ووجد العديد من الكتل غير الطبيعية التي تُعرف الآن بلويحات الأميلويد، كما اكتشف حزمًا متشابكةً من الألياف تسمى الآن بالتشابك الليفي العصبي، فسماه على اسمه، مرض ألزهايمر.
وألزهايمر هو مرض تنكسي يصيب الدماغ، ويظهر عادةً لدى الأشخاص الأكبر من 65 عامًا، يقول الجندي: “كثيرًا ما يخلط غير المتخصصين بين الخَرَف وألزهايمر، فالخَرَف مصطلح عام يصف انخفاض القدرة العقلية بشكل حاد بما يكفي لإعاقة سير الحياة اليومية، أما ألزهايمر فهو السبب الأكثر شيوعًا للخرف، كما أنه مرض محدد، أما الخرَف فليس كذلك”، فهناك أنواع أخرى من الخرف غير ألزهايمر، مثل الخرف الوعائي والخرف المختلط والخرف الجبهي الصدغي والخرف الناتج عن كلٍّ من الشلل الرعاش ومرض هنتنغتون.
ويضيف الجندي: “مشكلة تشخيص ألزهايمر تكمن في صعوبة ملاحظة بداياته على المريض، ولا نملك حتى اليوم إلا أدلةً تشخيصيةً على الإصابة الفعلية، مثل النسيان أو صعوبة التعلم، وليس علامات تتوقع وقوع الإصابة، ولا حتى عوامل الخطر الممهدة للإصابة والمكتشفة عامةً حتى الآن”.
ويُعد فقدان الذاكرة أكثر علامات ألزهايمر شيوعًا، وقد يكون النسيان خفيًّا في البداية، لكن يزداد سوءًا مع مرور الوقت حتى يتعارض مع معظم جوانب الحياة اليومية، حتى في الأماكن المألوفة، قد يتيه الشخص المصاب أو يرتبك، كما قد يصعب عليه أداء المهمات الروتينية مثل إعداد وجبات الطعام، والغسيل، وأداء الأعمال المنزلية الأخرى، بالإضافة إلى ذلك، يواجه المصاب صعوبةً في التعرف على الأشخاص وتسمية الأشياء، ويحتاج بشكل متزايد إلى المساعدة في ارتداء الملابس وتناول الطعام والعناية الشخصية.
ومع تقدم المرض، يعاني بعض الأشخاص المصابين بتغيرات في الشخصية والسلوك، ويواجهون صعوبةً في التفاعل بطريقة مناسبة اجتماعيًّا، ويحتاج الأشخاص المصابون عادةً إلى رعاية كاملة خلال المراحل المتقدمة من المرض، إذ يعيش الأفراد المصابون عادةً ما بين 8 إلى 10 سنوات بعد ظهور الأعراض، لكن مسار المرض السابق على الأعراض يمكن أن يتراوح من عام واحد إلى 25 عامًا.
يقول مجد الدين: “تُستخدم الأعراض الظاهرية لألزهايمر في تشخيصه، لكن نحتاج إلى تطوير تشخيص مبكر كي يشخص المريض قبل أن تظهر عليه الأعراض، وهو تحدٍّ علميٌّ كبير في الكثير من الأمراض، وكي نصل إلى ذلك، نحتاج إلى الوصول إلى علامة حيوية ملحوظة مرتبطة بألزهايمر تحديدًا، وليس أي مرض آخر، مثل بروتين ما، أو تغيُّر نِسَب إنزيم ما، أو أي مادة مرتبطة بعمليات الأيض الحيوية، وهو أمرٌ شديد الصعوبة”.
هل وجدنا علاجًا لداء ألزهايمر؟
تكمن أهمية إيجاد علاج لألزهايمر في التكلفة التقديرية العالمية للخرف، والتي بلغ إجماليها 818 مليار دولار أمريكي في عام 2015، وهو ما يمثل 1.09٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي حينها، وتجاوزت التكلفة السنوية العالمية للخرف الآن 1.3 تريليون دولار أمريكي، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 2.8 تريليون دولار بحلول عام 2030.
يشمل هذا الرقم التكاليف المنسوبة إلى الرعاية غير الرسمية، مثل الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقدمها الأسرة وغيرها، والتكاليف المباشرة للرعاية الاجتماعية التي يقدمها متخصصو الرعاية المجتمعية، وفي البيوت السكنية، والتكاليف المباشرة للرعاية الطبية مثل تكاليف علاج الخرف، هذا يعني أنه إذا كانت رعاية الخرف العالمية دولة، فستكون في المرتبة الرابعة عشرة من بين أكبر الاقتصادات في العالم، وفق التقرير العالمي لمرض ألزهايمر لعام 2015 وتحديثاته.
أدوية محتملة
في هذا الإطار يبذل العلماء العديد من الجهود من أجل الوصول إلى دواء محتمل يقلل كثيرًا هذه الكلفة العالمية، استخدم الباحثون في الدراسة الأخيرة آليات بعض الأدوية، مثل مثبطات الليبيز والستاتينات؛ لتقديم تفسير بيولوجي محتمل للارتباط الجيني في الدراسة، لكن هذا لا يعني أن تلك الأدوية يجب أن تُستخدم اليوم لتجنُّب الإصابة بألزهايمر، يقول الجندي: “عائلة الستاتينات الدوائية جدلية بعض الشيء، وتتناقض نتائج بعض دراسات أُجريت حول آثارها الوقائية مع دراسات أخرى، ورغم ذلك يستخدمها حاليًّا أكثر من رُبع البالغين في الولايات المتحدة وحدها، وتزيد النسبة مع كبار السن، وبناءً على نتائج هذه الدراسة فلا يمكننا ترشيح استخدام الستاتينات للوقاية من الإصابة بألزهايمر إلا بعد المزيد من التجارب على نماذج حيوانية لقياس فوائده مع ألزهايمر، على أن تتبعها تجارب سريرية دقيقة”.
ولحين حدوث ذلك، وفرت هذه النتائج دليلًا على الفوائد الصحية المحتملة لتحسين صحة الأمعاء وخفض الكوليسترول عبر الوسائل غير الدوائية، مثل النظام الغذائي والرياضة والابتعاد عن التدخين والكحوليات، والتي قد تمتد إلى الحد من مخاطر الإصابة بمرض ألزهايمر، ويختم مجد الدين: “ألزهايمر من الأمراض الشائكة، ورغم بعض فهمنا لطبيعة المرض، إلا أن ذلك الفهم غير كافٍ حتى الآن، كما أن هناك الكثير من مراكز الأبحاث حول العالم الآن التي تدرس ذلك المرض، وقد يظهر اكتشافٌ يغير من مسار تفكيرنا حول علاجه في أي وقت، وأتمنى أن نجد الحل الجذري في القريب العاجل”.
لا يوجد تعليقات بعد
Loading
اترك تعليقاً